eng
competition

Text Practice Mode

البداية والنهاية : قصتي الخضر وإلياس -٢

created Dec 20th 2017, 08:59 by WhiteBird


2


Rating

2285 words
2 completed
00:00
وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن ، وسنوردها مع غيرها ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة . وهذه وصيته لموسى حين قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا [ الكهف : ٧٨ ] . روي في ذلك آثار منقطعة كثيرة . قال البيهقي : أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا أبو بكر ابن أبي الدنيا ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، حدثني أبو عبد الله الملطي ، قال : لما أراد موسى أن يفارق الخضر ، قال له موسى : أوصني . قال : كن نفاعا ولا تكن ضرارا ، كن بشاشا ولا تكن غضبان ، ارجع عن اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة . وفي رواية من طريق أخرى زيادة : ولا تضحك إلا من عجب . وقال وهب بن منبه قال الخضر : يا موسى ، إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها . وقال بشر بن الحارث الحافي : قال موسى للخضر : أوصني . فقال : يسر الله [ ص: ٢٥١ ] عليك طاعته . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، رواه ابن عساكر ، من طريق زكريا بن يحيى الوقار ، إلا أنه من الكذابين الكبار . قال : قرئ على عبد الله بن وهب ، وأنا أسمع ، قال الثوري : قال مجالد : قال أبو الوداك : قال أبو سعيد الخدري : قال عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال أخي موسى : يا رب . ذكر كلمة ، فأتاه الخضر ، وهو فتى طيب الريح ، حسن بياض الثياب ، مشمرها ، فقال : السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران ، إن ربك يقرأ عليك السلام . قال موسى : هو السلام ، وإليه السلام ، والحمد لله رب العالمين ، الذي لا أحصي نعمه ، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته ، ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ، ينفعني الله بها بعدك . فقال الخضر : يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع ، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم ، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك؟ واعزف عن الدنيا وأنبذها وراءك ، فإنها ليست لك بدار ، ولا لك فيها محل قرار . وإنما جعلت بلغة للعباد ، والتزود منها ليوم المعاد . ورض نفسك على الصبر ، تخلص من الإثم ، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن تفرغ له ، ولا تكن مكثارا بالمنطق مهدارا; فإن كثرة المنطق تشين [ ص: ٢٥٢ ] العلماء ، وتبدي مساوئ السخفاء ، ولكن عليك بالاقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسداد ، وأعرض عن الجهال وباطلهم ، واحلم عن السفهاء ، فإن ذلك فعل الحكماء ، وزين العلماء ، إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما ، وجانبه حزما; فإن ما بقي من جهله عليك ، وسبه إياك أكثر وأعظم . يا ابن عمران ، ولا تر أنك أوتيت من العلم إلا قليلا; فإن الاندلاث والتعسف ، من الاقتحام والتكلف ، يا ابن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه . يا ابن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي منها رغبته ، كيف يكون عابدا؟! ومن يحقر حاله ويتهم الله فيما قضى له ، كيف يكون زاهدا؟! هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه ، أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه; لأن سعيه إلى آخرته ، وهو مقبل على دنياه؟! يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به ، ولا تعلمه لتحدث به ، فيكون عليك بواره ولغيرك نوره . يا موسى بن عمران ، اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات ، فإنك مصيب السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك ، فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوءا . قد وعظت إن حفظت قال : فتولى الخضر ، وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي .  
 
لا يصح هذا الحديث ، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقار [ ص: ٢٥٣ ] المصري ، كذبه غير واحد من الأئمة ، والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه . وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي ، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل ، أبصره رجل مكاتب ، فقال : تصدق علي بارك الله فيك . فقال الخضر : آمنت بالله ، ما شاء الله من أمر يكون ، ما عندي من شيء أعطيكه . فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت علي ، فإني نظرت السيماء في وجهك ، ورجوت البركة عندك . فقال الخضر : آمنت بالله ، ما عندي من شيء أعطيكه ، إلا أن تأخذني فتبيعني . فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ قال : نعم ، الحق أقول لك ، لقد سألتني بأمر عظيم ، أما إني لا أخيبك بوجه ربي بعني . قال : فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء; فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي ، فأوصني بعمل . قال : أكره أن أشق عليك ، إنك شيخ كبير ضعيف . قال : ليس تشق علي . قال : فانقل هذه الحجارة . وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم ، فخرج الرجل لبعض حاجته ، ثم انصرف وقد نقل [ ص: ٢٥٤ ] الحجارة في ساعة . فقال : أحسنت وأجملت ، وأطقت ما لم أرك تطيقه . ثم عرض للرجل سفر فقال : إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة . قال : فأوصني بعمل . قال : إني أكره أن أشق عليك . قال : ليس تشق علي . قال : فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك . فمضى الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناءه . فقال : أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال : سألتني بوجه الله ، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية ، سأخبرك من أنا ، أنا الخضر الذي سمعت به ، سألني مسكين صدقة ، فلم يكن عندي شيء أعطيه ، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي ، فباعني ، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله ، فرد سائله وهو يقدر ، وقف يوم القيامة; جلده لا لحم له ولا عظم يتقعقع . فقال الرجل : آمنت بالله ، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم . فقال : لا بأس أحسنت وأبقيت . فقال الرجل : بأبي وأمي يا نبي الله ، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله ، أو أخيرك فأخلي سبيلك . فقال : أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي . فخلى سبيله ، فقال الخضر : الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها وهذا حديث رفعه خطأ ، والأشبه أن يكون موقوفا ، وفي رجاله من لا يعرف . فالله أعلم .  
 
وقد رواه ابن الجوزي ، في كتابه " عجالة المنتظر في شرح حال الخضر " من طريق عبد الوهاب بن الضحاك ، وهو متروك عن بقية . وقد [ ص: ٢٥٥ ] روى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي ، أن الخضر وإلياس كانا أخوين ، وكان أبوهما ملكا ، فقال إلياس لأبيه : إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك ، فلو أنك زوجته; لعله يجيء منه ولد يكون الملك له . فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر ، فقال لها الخضر : إنه لا حاجة لي في النساء ، فإن شئت أطلقت سراحك ، وإن شئت أقمت معي تعبدين الله ، عز وجل ، وتكتمين على سري . فقالت : نعم . وأقامت معه سنة ، فلما مضت السنة ، دعاها الملك فقال : إنك شابة وابني شاب ، فأين الولد؟ فقالت : إنما الولد من عند الله ، إن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن . فأمره أبوه فطلقها وزوجه أخرى ثيبا قد ولد لها ، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها ، فأجابت إلى الإقامة عنده ، فلما مضت السنة ، سألها الملك عن الولد ، فقالت : إن ابنك لا حاجة له في النساء . فتطلبه أبوه فهرب ، فأرسل وراءه ، فلم يقدروا عليه ، فيقال إنه قتل المرأة الثانية ، لكونها أفشت سره فهرب من أجل ذلك ، وأطلق سراح الأخرى ، فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة ، فمر بها رجل يوما ، فسمعته يقول : بسم الله . فقالت له : أنى لك هذا الاسم؟ فقال : إني من أصحاب الخضر . فتزوجته ، فولدت له أولادا ، ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون ، فبينما هي يوما تمشطها; إذ وقع المشط من يدها ، فقالت : بسم الله . فقالت ابنة فرعون : أبي؟ فقالت : لا ، ربي وربك ورب أبيك الله . فأعلمت أباها ، فأمر ببقرة من نحاس ، فأحميت ، ثم أمر بها ، فألقيت فيه ، فلما عاينت [ ص: ٢٥٦ ] ذلك ، تقاعست أن تقع فيها ، فقال لها ابن معها صغير : يا أمه ، اصبري فإنك على الحق . فألقت نفسها في النار ، فماتت رحمها الله .  
 
وقد روى ابن عساكر ، عن أبي داود الأعمى نفيع ، وهو كذاب وضاع ، عن أنس بن مالك ، ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، وهو كذاب أيضا ، عن أبيه ، عن جده ، أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه وهو يدعو ويقول : اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه . فبعث إليه رسول الله أنس بن مالك ، فسلم عليه ، فرد عليه السلام ، وقال له : قل له : إن الله فضلك على الأنبياء ، كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل أمتك على الأمم ، كما فضل يوم الجمعة على غيره . الحديث ، وهو مكذوب ، لا يصح سندا ولا متنا; كيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجيء بنفسه مسلما ومتعلما ، وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم ، أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم ، ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم ، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران ، كليم الله ، الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه ، حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل . وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادى بعد إيراده حديث أنس هذا : وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الإسناد ، سقيم المتن ، يتبين فيه أثر الصنعة . فأما الحديث الذي رواه [ ص: ٢٥٧ ] الحافظ أبو بكر البيهقي ، قائلا : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه ، حدثنا محمد بن بشر بن مطر ، حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا عباد بن عبد الصمد ، عن أنس بن مالك ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدق به أصحابه ، فبكوا حوله ، واجتمعوا ، فدخل رجل أشهب اللحية ، جسيم ، صبيح ، فتخطى رقابهم ، فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وعوضا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فإلى الله فأنيبوا ، وإليه فارغبوا ، ونظره إليكم في البلاء فانظروا ، فإن المصاب من لم يجبر . وانصرف ، فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر ، وعلي : نعم ، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الخضر عليه السلام . وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن كامل بن طلحة به ، وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي ، ثم قال البيهقي : عباد بن عبد الصمد ضعيف ، وهذا منكر بمرة . قلت : عباد بن عبد الصمد هذا ، هو ابن معمر البصري ، روى عن أنس نسخة . قال ابن حبان والعقيلي : أكثرها موضوع . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث جدا منكره . [ ص: ٢٥٨ ] وقال ابن عدي عامة ما يرويه في فضائل علي ، وهو ضعيف ، غال في التشيع .  
 
وقال الشافعي في " مسنده " : أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، علي بن الحسين ، قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء التعزية ، سمعوا قائلا يقول : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب . قال علي بن الحسين أتدرون من هذا؟ هذا الخضر . شيخ الشافعي القاسم العمري متروك . قال أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين : يكذب . زاد أحمد : ويضع الحديث . ثم هو مرسل ، ومثله لا يعتمد عليه هاهنا . والله أعلم .  
 
وقد روي من وجه آخر ضعيف ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن علي . ولا يصح .  
 
وقد روى عبد الله بن وهب ، عمن حدثه ، عن محمد بن عجلان ، عن محمد بن المنكدر أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلي على جنازة; إذ سمع هاتفا وهو يقول : لا تسبقنا يرحمك الله . فانتظره حتى لحق بالصف ، فذكر دعاءه للميت; إن تعذبه فكثيرا عصاك ، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك . ولما [ ص: ٢٥٩ ] دفن قال : طوبى لك يا صاحب القبر ، إن لم تكن عريفا ، أو جابيا ، أو خازنا ، أو كاتبا ، أو شرطيا . فقال عمر : خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو . قال : فتوارى عنهم ، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع . فقال عمر : هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا الأثر فيه مبهم ، وفيه انقطاع ، ولا يصح مثله .  

saving score / loading statistics ...